واسوأتاه | د. خالد الحداد | (رمضان قرب يلا نقرب 3 🌙) الموسم الثالث

لهذا الكون خالقٌ حكيم، خالقٌ حكيم لما خلق الخلق؛ خلقَ لهم ما يُقيتهم ويمدهم به وجعل لهم إيمانًا يتزلفون به ويتقربون به إليه، الله عز وجل لمَّا علِمَ ضعف القلوب وقُرب ملالتها نوَّعَ الإيمان، فكان الإيمان بضعٌ وسبعون شُعبة، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-:
" الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ أو بِضْعٌ وستُّونَ شُعبةً . فأفضلُها قول لا إلهَ إلَّا اللهُ. وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ. والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ"
صحيح مسلم.
الحياء شُعبة من الإيمان، لماذا خصص النبي صلَّى الله عليه وسلم هذه الخصيصة للحياء؟
فنفهم من لا إله لا الله أنها أعلى الغايات التي يجب أن ترتفع إليها هِمم المؤمنين لتبلُغ الذروة العُلى. أو إماطة الأذى عن الطريق هي مستوى الحد الإيماني الأدنى للإيمان الذي يجب ألا يُتجاوز.
ولكن ما هو خصيصة تخصيص الحياء، والحياءُ شُعبة من الإيمان، لو كان توقف النبي صلَّى الله عليه وسلم وقال:
إماطة الأذى عن الطريق شُعبة لكان تم الكلام وانتهى وأفاد معنًى مفيدًا، ولكن لما خصصه النبي صلَّى الله عليه وسلم علمنا أن ذلك لحكمة رجل لا ينطق عن الهوى.
النبي صلَّى الله عليه وسلم لما خصَّ الحياء، خصَّ الحياء لأن كثيرًا من الأُمم ضاع منها الحياء، وخاف على أُمته أن يضيع منها الحياء، بل بعض الأُمم يتصنعُ الحياء لدُنياه، يعني أقصى شعوب الأرض شعوب شرق آسيا أحفاد التتار والمغول وتحديدًا في اليابان
ويل ديورانت يقول عنهم :
بلغوا حد التوحش في المعاملة! والآن تجدهم أفضل الناس في المعاملة وفن الاستقبال والضيف وووو ولكن لفعله، لتجارته.
هذا الشخص الذي يُعاملك بقناع هو ذات الشخص المحتكر، هو ذات الشخص الذي يُضاربُ بالربا، هو هو هو هو، فالحياء بالنسبة له صورة، أما إيمانُنا مختلف. إيمانُنا يرسُخُ في أعماقِ قلب المؤمنين ثم يظهر على صورهم. قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-:
" إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى صورِكُم وأموالِكُم ، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأعمالِكُم"
صحيح مسلم.
الحياء خُلُق، الخُلُق كله كله إيمان، وليس معاملات، وليس كلمات، ليس أفعال سلوكية.
إيمان؛ إيمان يُفعل.
تجد أن الفقير الذي ينضوي قلبه على أن يريد أن يُكرم، يُكرم جاره وهو لا يستطيع هو مؤمن.
الشجاع الذي لا يستطيع جهاد العدو ولا يملك ما يفعله مؤمن.
الصبور الذي يصبر عند فتور الناس وتخليهم في أوقات التخلي مؤمن.
الغضوب الذي يغضب لحرمات الله عز وجل ولا يملك المنعَ مؤمن.
كل هذا خُلُق ولكن الحياء من وسط الأخلاق تحديدًا لم يذكر النبي الرحمة ولا الكرم، ولا العطف، ولا الجود، فالرحمة تُستخرج في وقت الرحمة والشجاعة تنطلق عندما يدعو النفير، والصبر عندما يستفزك أحد بحماقته.
ولكن الحياء هو أخفى الخفاء.
الحياء يرسُخُ في القلوب، يظل عميقًا في أغوار النفس لا يبدو ولا ينكشف.
لما أكل آدم عليه السلام من الشجرة بدت لهم سوءته، وقال الله -عز وجل-:
" وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ "
طه:121.
وكان آدم عليه السلام رجلًا جسيمًا له شعر طوال فجعل يجري في الجنة ويجري فعلُق شعره بأصل نخلة فتوقف، فناداه ربه من فوقه، قال له:
"يا آدم، يا آدم أمني تفر؟ قال: لا يا رب ولكن حياءً وخجلًا منك.
أنا مكسوف منك.
أحيانًا لما الواحد بيذنب ذنب وبعد ما يخلص الذنب، وتذهب اللذات وتبقى التبعات، يظل ينظر لنفسه إزاي أنا عملت ده؟
إزاي أنا يصدر مني كده؟ هل هذا جزاء الإحسان الذي مَنَّ الله عز وجل عليَّ به؟


مرَّ شُعبة بن الحجاج يومًا في السوق فازدحم عليه الناس، وكان رجلٌ يُدعى عبد الله بن قعلب القعلبي وكان لصاً قاطع طريق، فلما وجد الناس قد اجتمعوا على شُعبة بن الحجاج وكان أمير المؤمنين في الحديث، فسأل من هذا؟ قالوا: هذا شُعبة، شُعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، فذهب إليه فلما نظر إليه قال له: حدثني، فنظر إليه شُعبة وكان صاحب أنفة قال: لست من أهل الحديث كي أُحدِثُك. فأخرج سكينه ووضعها على رقبة شُعبة وقال له: إن لم تُحدثني جرحتك، فقال شُعبة: حدثنا فلان حدثنا فلان حدثنا فلان أخبرنا فلان حدثنا عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقول:
" إنَّ ممَّا أدرَكَ النَّاسُ من كلامِ النبوَّة الأولى: إذا لم تستَحِ فاصنَعْ ما شئتَ"
صحيح البخاري.
فوقع منه سكينه وبكى، وهام على وجهه في الأرض، ثم ذهب إلى مدينة رسول الله وتاب وأناب وعاد إلى ربه وطلب الحديث، فكان شيخ البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود، الستة ما عدا ابن ماجة، عبد الله بن قعلب القعلبي لأنه استحيا من ربه.
كان الفضيل بن عياض رحمه الله في موقف الحَج والناس كلهم يجأرون إلى الله ويرفعون أيديهم إلى الله عز وجل وهو لا يدعو، فقيل له: لمَ لا تدعو؟ فيقول: ثَمَ وحشة.
لمَ لا تدعو؟ فيقول: ثَمَ وحشة.
لمَ لا تدعو؟ فيقول:
ثَمَ وحشة.