أنت أنت | د.خالد الحداد | (رمضان قرب يلا نقرب 3 🌙) الموسم الثالث

كل واحد فينا في طريقه للسير إلى الله بيكون له وِجهة، قِبلة، مُراد، اتجاه، بيسير فيه إلى الله. بعض الناس بعد فترة من الطريق بيبدأ يِحود يمين، أو يِحود شمال، قِبلة قلبه تتغير، ميبقاش عارف هو راح فين أو جه منين!

الإمام أحمد سُئِلَ سؤالًا فصيحًا، قال له أحدهم: "يا أبا عبد الله، رجلان يقومان الليل؛ رجل يطيل القنوت (الوقوف)، ورجل يطيل السجود، فأيهما أفضل؟فنظر إلى السماء وقال: أنصحهما لله أحبهما لله".

القرب من الله سبحانه وتعالى يا جماعة مش بالكيلو، ولا بالكمية، القرب من الله معنى قلبي؛ أن يطَّلِع الله على قلبك فلا يرى فيه سواه.الفضيل بن عياض قال لابنه يومًا: "يا بني، لأعلمنك كلمة لو علمتها هي خيرٌ لك من الدنيا وما فيها؛ لو علِمَ الله منك إخراج الآدميين من قلبك حتى لم يعد فيه غيره، ما سألته شيئًا إلا أعطاك".

إن من تمام النُسُك أن تُخِرج كل شيء من قلبك سوى الله.

النبي صلَّى الله عليه وسلم كان لما يصحى من النوم يبص يقول إيه؟ "اللهمَ ما أصبح بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر" صحيح ابن حبان. كان يقوم بالليل يدعي في سجوده يقول: "أنتَ الأوَّلُ فليسَ قبلَكَ شيءٌ، وأنتَ الآخِرُ فليسَ بعدَكَ شيءٌ، وأنتَ الظَّاهرُ فليسَ فوقَكَ شيءٌ، وأنتَ الباطنُ فليسَ دونَكَ شيءٌ، اقضِ عنِّي الدَّين، وأغنِني منَ الفقرِ" صحيح الترمذي.

النبي صلَّى الله عليه وسلم لمَّا نهى عن التبقّر في المال؛ إن إنت يبقى ليك مال هنا ومال هنا، ومال هنا ومال هنا ومال هنا، ده نوع من أنواع تشعب الهموم والبعد عن ربنا.
الهموم بتتشعب وبتبعد، ولمّا الهموم والانشغالات بتطغى على صاحبها، تجده حزين، مهموم، مغموم، يشكو الفقر وهو مُسربل بالنعيم، ويشكو المرض وهو صحيح يرتع في العافية، ويشكو العمى وهو مبصر، ويشكو الضيق وهو بين القصور يمرح ويفرح. وصدق ربي لما قال: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" الحج:46. وكل ما الهموم تزيد، جوعه يزيد، جوعه هنا ليس جوع جوعه، ولكن جوع القلب.
جوع القلب عند انفراط عِقده على يد من حوله ويا ليتهم رضُوا، وإنما كلما أسخط الله زادهم سخطًا، زادهم بعدًا، زادهم قنوطًا، زادهم تأففًا وضجرًا منه، ويزداد هو جوعًا، وناره تتأجج، وتتأجج، وتتأجج، وتتأجج. إنك إذا اتكَّلت على مالك، على علمك، على أهلك، على أي شيء، وكلك الله عز وجل إليه؛ تأديبًا وتهذيبًا،فسكون القلب لغير الله نوعٌ من تعجيل العقوبة بالدنيا، عقوبة.

سهل بن عبد الله التستُري رحمه الله بيقول كلمة جميلة أوي، صَلِّ على النبي -عليه الصلاة والسلام-، بيقول: "إن الله مطلعٌ على عباده كل يوم؛ فأيما قلبٍ اطلع عليه فرأى فيه غيره سلط عليه إبليس"، يسلط عليه إبليس؛ فعندما يتسلط إبليس على قلبك المسكين، الطيب، الذي كان في مبتدأه أصلًا يريد الله، يريد أن يصلَ إليه، لمّا إبليس يُسلَّط على قلبك يَسُد عنه نظره، ويُعَمِّي عنه عينه؛ فيرى أن كل النعم منسوبة إلى نفسك، أو حتى إلى غيرك، فيعمى قلبك، يعمى قلبك.

أحد العابدات كانت بتقول: "والله إن عمى القلب أشد من عمى العين، ولوددت أن الله قد وهب لي محبته وما ترك لي من جارحةٍ إلا أخذها". إن حتى العارفين بالله لمّا كان بيأتيهم مش نعمة، لمّا كان بيأتيهم مُصاب من الله بيستلذوا بهذا المُصَاب، فأشد الناس ضجرًا عند المصيبة أشدهم تعلقًا بالدنيا
لكن أرباب القلوب، أصحاب المعرفة بالله سبحانه وتعالى لما بيأتيهم مُصَاب من الله عز وجل بيستلذوا هذا المُصَاب،فإن المرَّ يُستلَذ من كف الحبيب، بل قد تجدُ في عذابه عذوبة، حتى قال بعضهم: "وتلِذُني الآلام إذ أنت مُسقمي"، الآلام بتُلذني؛ لأن إنتَ اللي بتمرضني.
وتُلذني الآلام إذ أنت مُسقمي ***وإن تمتحنني فهي عندي صنائعُ.
تحَّكَم بما تهواه فإنني ***فقيرٌ لسلطان المحبة خاضع.
محمد بن سعد التيمي يقول: "مررت على فتًى يتعبد في بعض سواحل الشام بمفرده، فقلت له: يا فتى، منذ متى وأنت تتعبد؟ فنظر إليّ مستغربًا وقال: لا أدري، قلت له: لا تدري؟! قال: يا سيدي، من القبيح على من يُحب أن يُحصي على محبوبه أوقات خدمته إليه"، ثم نظر إلى السماء وأنشد قائلًا :
وإِذَا فَرَّقَتْ بَيْنَ الْمُحِبِينَ سَلْوَةٌ *** فَحُبُكَ لِي حَتَّى الْمَمَاتِ قَرِينُ.
سَأُعطيك وُدِي مَا حَيِيتُ وإن أنا *** متُ فعَظْمِي لك فِي التُّرَابِ دَفِينُ.
ابن القيِّم رحمه الله بيقول: "ارجع إلى ربك، واطلبه من سمعك وبصرك وقلبك وعينك؛ فإنه ما رجع من رجع إلا من هؤلاء الأربع، وما شرد من شرد إلا من هؤلاء الأربع؛ فالمؤمن يسمع ويُبصرُ ويبطش بمولاه، والمخذول يصدر كل ذلك بنفسه وهواه".